إعتزمت أن تكون بداية رحلتي حول مصر بالدراجة يوم
الخميس، 31 أكتوبر، متجهاً إلى الواحات البحرية. فكرت أن أقضى ليلتي الأخيرة، قبل
الإنطلاق، في مدينة 6 أكتوبر. بحيث أكون على مقربة من الطريق المؤدي لطريق
الواحات. بدأت في حزم أمتعتي قاصداً التحرك مع الظهيرة، كي أصل بعد العصر بقليل،
وذلك قبل أن يحل المساء وأفقد القدرة على رؤية الطريق بوضوح. واجهتني مشكلة.
يوجد حد اقصى للحمولة التي يمكن للحاملين الخلفي والأمامي المثبتان على العجلة تحملهما. في حين كان وزن الأشياء والأطعمة
والماكولات التي أحتاجها معي في الرحلة يصل إلى نحو 40 كجم، وهو ما يفوق قدرة
الحاملين بكثير. أخذت أعيد فرز كل ما أريده معي في رحلتي، متخلصاً من كل الأشياء
التي يوجد معي منها أكثر من نسخة، أو تلك التي تقع على ذيل القائمة في ترتيب
الأولويات. لكن الحمولة بقيت أثقل من اللازم بقليل. استغرقت عملية إعادة الترتيب الكثير من الوقت. لذلك قررت التحرك
حتى لا يضيع اليوم. ودعت زوجتي، ونزل ولداي، 8 و10 سنوات معي إلى الشارع ملوحين لي
حتى إختفيت عن أنظارهم.
كانت الساعة تبلغ نحو السابعة مساء حين غادرت
المعادي في طريقي لـ 6 أكتوبر. وكان الوقت متأخراً للغاية للتحرك، لكن لم يكن من
الممكن أن أفقد المزيد من الوقت. وكما يقال: "ركوب العجل وإنت خفيف حمادة.. وركوب
العجل وهو متحمل عليه شنط تقيلة ده حمادة تاني خاالص".
أخذت بعض الوقت كي تتعود ساقاي على الحمولة. لكن
المشكلة بدأت لدى وصولي لأجزاء من الطريق لا توجد بها إضاءة مطلقاً. إضطرني هذا
للسير ببطء شديد. كان اليوم مرهقاً للغاية منذ البداية، وبالتأكيد لم تكن هذه هي
بداية الرحلة التي كنت أخطط لها.
كنت أريد أن ابدأ رحلتي في الصباح التالي، وأنا
ممتلئ بالنشاط والحيوية، وأتوقف عن السير بدراجتي قبل الغروب، لأخيم في مكان
أنتقيه بعناية. أما الآن، فأجد نفسي أسير بحمولة ثقيلة، في طريق مظلم للغاية،
منهكأ وليس أمامي حتى فرصة كي أنصب خيمتي على جانب الطريق، كما كنت لأفعل لو كنت
في الصحراء الآن. كنت أجمع بين شيئين لا أفعل أي منهما عادة. قيادة الدراجة وأنا
مرهق، والسير في هذا الظلام التام. تسببت حالة التعب في قيامي بنقلة خاطئة للسرعة، وهو خطأ ليس من
الطبيعي أبداً أن أقع فيه، ولهذا السبب بالضبط لا أقود الدراجة وأنا في هذه الدرجة
من الإرهاق. وأدت النقلة الخاطئة إلى إنفلات الجنزير. بطبيعة الحال، كان معي إضاءة
متحركة، فإستخدمتها في ضبطه. لكن الوضع العام كان بالغ السوء. فلم تكن هناك لوحات
إرشادية تساعدني على معرفة الطريق. وحتى في الحالات القليلة التي توافرت فيها
لافتات إرشادية، فإنها كانت شديدة العمومية، بحيث لا يكاد يكون لها أي قيمة على
الإطلاق. فـ 6 اكتوبر مدينة كبيرة ،ومترامية الأطراف. في النهار، كان الأمر ليكون بسيطاً جداً، فيمكنك أن تستوقف أي
سيارة مارة بجوارك وتسألها عن الطريق. لكن بالليل، لا أحد يرضى بالتوقف، الكل يخشى
من أن يتعرض للـ "تثبيت"، والسيارات تمر بجواري بسرعة خاطفة. ولن يغامر
أحد بالوقوف لشخص يقف على جانب طريق مظلم، ومعه دراجة محملة بالامتعة. وصلت لأقصى درجات الحيرة لدى وصولي لمفترق طرق يفصل بين
طريقين،أحدهما طريق سريع، والآخر أقرب للطريق الجانبي، مكتوب عليه أنه يؤدي للطريق
الصحراوي.
وقفت قليلاً أفكر في أي طريق سأسلك. ظهر شخص
يتحرك متجهاً نحوي من على ربوة رملية. سألني عن وجهتي، فلما أخبرته أنني متجه
لميدان جهينة، قال لي أنه بعيد. ونصحني بأن أسلك الطريق المتجه للطريق الصحراوي.
بادر بإخباري أن المنطقة المحيطة بهم تابعة للجيش وأنهم عساكر يقفون للحراسة. لم يكن يرتدي ملابس ميري ... قلت لنفسي "جايز.... فكل شئ
وارد في هذه الأيام". ظهر رجل آخر، لكنه كان ملثماً هذه المرة. أمسكت عصا
صغيرة بيدي إستعداداً لأي غدر. أخبرني الأول أن هذا الملثم ضابط صف. بدا الامر
غريباً. تحدث الملثم بشكل جاف في البداية، ثم تخلى عن جفافه تدريجياً وكشف اللثام
عن وجهه موضحاً أنه يفعل ذلك كي أطمئن. ويبدو انه أراد أن يزيدني إطمئناناً،
فأخبرني أنهم ليسوا بقطاع طرق، وأنني رجل محترم أقود عجلة محترمة، لذلك لن يتعرض
لي أحد منهم بسوء.
بطبيعة الحال، لم يطمئنني كلامه. لم أكن أشعر
بالقلق، لكن في الوقت نفسه، لم تجعلني هيئته وكلامه آمن له على وجه الإطلاق. بدأ الرجل الذي يقول عن نفسه أنه عسكري يحتد في الكلام مع الرجل
الذي يقول هو عنه أنه صف ضابط. كان هذا مؤشر نهائي وواضح انني لا بد لي من التحرك
بسرعة قبل فوات الأوان. فلا يمكن لعسكري ان يتحدث مع صف ضابط بهذه الطريقة أبدأ.
صافحت (الملثم/صف الضابط/المتشاجر) الذي يقول عن نفسه أنه ليس بقاطع طريق.
وسرت
بدراجتي مثقلاً، متعباً وجوعاناً، وشاعراً بالبرد، لكني أشعر في أعماقي بسعادة
بالغة في الوقت ذاته. وإكملت طريقي. وصلت لوجهتي نحو الثانية عشرة والنصف مساء. كان الوقت قد أصبح
متاخراً للغاية كي أبدأ في اليوم التالي مباشرة. قررت ان أؤجل سفري يومأ. بحيث
تبدأ رحلتي يوم الجمعة 1 نوفمبر، بدلاً من الخميس. تناولت طعام العشاء، وخلدت إلى النوم، مدركأ أن رحلتي قد بدأت
بالفعل قبل موعد بدايتها المفترض بيوم، وأن كل ما واجهته اليوم ما هو إلا....مسح
زور.
ربنا يوفق ويعينك ويأمن طريقك ويسهل مهمتك . نحن نتابع وندعمك .لست وحدك محمد
ردحذفشد حيلك :)
ردحذفربنا معاك حبيبي.
ردحذفcant wait for the rest yalla continue :) Rabna m3ak
ردحذف