الثلاثاء، 29 أكتوبر 2013

2- حول مصر بالدراجة


 
 منذ شهرين، كنت أجلس مع أصدقائي من مجموعة "أصل ووصل" في فترة الراحة التي تتخلل أحد إجتماعاتنا، أحكي لهم عن نيتي للسفر بالعجلة في أنحاء مصر. حكيت لهم عن رحلة سبق لي القيام بها بالدراجة في 2010 مع إثنين من الأصدقاء، قطعنا فيها 981 كم من القاهرة إلى أسوان، مروراً بالغردقة، في ثمانية أيام. كما أخبرتهم عن رغبتي في إعادة إكتشاف مصر عن طريق التجول فيها بالدراجة. بعد أن شعرت بمتعة السفر بالعجلة، والتي إكتسبتها عن طريق رحلتي السابقة.

وبينما نحن نتحدث، ظهرت فكرة لطيفة، لماذا لا تعبر رحلتي حول مصر بالعجلة عن الرؤية الحضارية التي إكتسبتها من خلال "أصل ووصل"؟
 وتهدف أصل ووصل لإكتشاف رسالة مصر الحضارية من خلال التعريف بالمعاني التي تحملها الآثار والفنون المتنوعة في العصور المختلفة، وحتى عصرنا الحاضروذلك عن طريق رحلات وندوات ثقافية، وورش عمل، وغيرها من الوسائل. 

عدت إلى المنزل والفكرة لم تختمر في ذهني بعد. وفي غضون أيام، أصبح لدي تصور كامل عما سأفعله. سأسافر بدراجتي حول مصر، وفي كل مكان أذهب إليه، أزور الأماكن الاثرية التي تعبر عن الحضارة المصرية بتجلياتها المختلفة، سواء الفرعوني، أو القبطي، أو الإسلامي. تلك الحضارة التي بثت الروح في العالم كله على مدار عصور كثيرة. سأصحبكم لنشاهد معاً ما تركه المصري من فنون وآثار، عكست، وما زالت تعكس، قيماً جمالية وروحية، عبرت عن نفسها في الفنون والآثار المختلفة، نسبر معاً أغوار الصحاري المحيطة بوادي النيل، والتي بدأ المصري القديم حياته فيها منذ آلاف السنين، في العصور القديمة. قبل أن ينتقل للحياة على ضفاف النيل، مستعيناً بالعمل الجماعي لتنقية مجرى النيل من الأحراش التي كانت تملأ مجراه في ذلك الوقت.
ثم أصحبكم في جولة في الصعيد ودلتا النيل، لنستنشق معاً نسيم ذلك النهر الذي قامت عليه حضارة أشرقت بنورها على العالم، لنحاول سوياً إعادة التعرف على المقومات التي أنتجت الشخصية المصرية، تلك الشخصية الني إتسمت بمجموعة من القيم الحضارية، ربما نكون قد تهنا وأبنعدنا عنها في أوقات كثيرة، لكنها تظهر في هذا الشعب كومضات من آن إلى آخر... فدعونا نذهب معاً في رحلة نعيد فيها إكتشاف هذا الشعب.

 سأبدأ في القيام بمجموعة من الرحلات بالدراجة في مختلف أرجاء مصر. وسيكون أولها بإذن الله في 31 أكتوبر،2013. سأبدأ هذه الرحلة منطلقاً من القاهرة إلى الواحات البحرية، لأغادرها باتجاه الفرافرة، ثم الواحتين الداخلة والخارجة. بعد ذلك أتجه إلى الاقصر، وأتركها لأسلك الطريق من أدفو إلى مرسى علم، متجهاً إلى الجنوب لأصل إلى حلايب وشلاتين، وهي اقصى نقطة في الجنوب الشرقي لمصر. لأبدا في التحرك شمالاً على طريق البحر الأحمر، متعرفاً على المزارات الإسلامية والاديرة الأثرية، والآثار الفرعونية في هذه المناطق. ثم أمر سريعاً بالقاهرة، متجهاً إلى سيوة التي تقع جنوب مرسى مطروح بـ 300 كم،لأعود مرة أخري للقاهرة، منهياً رحلتي التي ستستغرق ما يقرب من شهرين بإذن الله، والتي ساتجول خلالها في الصحاري المصرية، بإستثناء سيناء التي سأخصص لها رحلة منفردة، ربما حين تستقر الأوضاع بها.

بعد غد  بإذن الله سنبدأ معأ ... جولة حول مصر بالدراجة

 تابعوا حكاياتي على ... يوميات واحد راكب عجلة


الأحد، 27 أكتوبر 2013

1- مقدمة

يوميات واحد راكب عجلة

في 2008، وجدت أنه من العبث أن أستمر في إستخدام سيارتي للذهاب لعملي والتنقل بها داخل القاهرة، في حين يتطلب ذلك مني أن أقضي ساعات لا حصر لها (مزنوقاً) بداخل هذا المربع  ذو الأربع عجلات، والمسمى بالسيارة.

تفتق ذهني عن حل بسيط يحل أزمتي الزحام وحاجتي لأن أجد وقتاً للعب الرياضة في الوقت ذاته. كان هذا الحل يتمثل في إستخدام العجلة (الدراجة الهوائية) للذهاب للعمل.

في ذلك الوقت، بدت الفكرة غريبة إلى حد بعيد. ففي النصف الأول من 2008، كان الفيسبوك لا يزال في بداياته للإنتشار في مصر. ولم تكن كل هذه المجموعات (الجروبات) المتخصصة في مختلف الإهتمامات المتعلقة بركوب العجل في مصر قد تكونت. وذلك بإستثناء مجموعات تعد على أصابع اليد الواحدة، تحتوي على عدد محدود من الرواد في هذا المجال. وجدت على إحداها شخصاً أعرفه، فإستعنت به على إختيار الدراجة التي تتناسب مع إحتياجاتي... وقد كان.

إخترت شراء دراجة جبلية (Mountain Bike). وهي دراجة مصممة للطرق الوعرة، بها مساعد أمامي وآخر خلفي لإمتصاص الصدمات، وهو ما يسمح لها بالقفز من على بعض الإرتفاعات. بدا هذا الإختيار مثالياً للغاية للإستخدام في شوارع القاهرة. إذ عادة ما تكون الـ (Road Bike)  المعروفة في مصر باسم (العجلة السبق) بأنواعها المختلفة مناسبة تماماً للسير داخل المدن. لكن شوارع القاهرة مليئة بالمطبات والحفر والأرصفة المبالغ في إرتفاعها لأسباب غير مفهومة، كما أنها لا تخلو من الطرق المكسرة والمدقات، مما يجعل السير فيها أقرب للسير بداخل الممرات الجبلية منه إلى السير بالشوارع. يضاف إلى ذلك عامل آخر بالغ الأهمية يتمثل في أن جوانب الطرق في القاهرة مليئة بالزجاج المكسور والحصى المدبب الذي يتم كنسه بعيداً عن المجرى الرئيسي للطريق، وتجميعه على الجانب الأيمن، بحيث يكون بعيداً عن السيارات، وقريباً جداً من النقطة التي يختارها أي عَجَلاوي (دراج) عاقل للسير عليها بعجلته بعيداً عن السيارات المسرعة. لذلك فكاوتش الدراجة الجبلية السميك قوي التحمل أفضل بكثير من كاوتش الـ (Road Bike)  الذي يتسم بكونه أكثر سرعة، لكنه أقل تحملاً. وقع إختياري على دراجة جبلية “Peugeot Smart Team” موديل 2008، وقمت بشرائها، لتبدأ مرحلة جديدة تماماً من حياتي.

أسكن في المعادي بالقرب من الأتوستراد، في حين كان عملي في ذلك الوقت يقع بالقرب من شيراتون القاهرة. كان علي أن أقيس المسافة التي سأقطعها كل يوم ذهاباً وإياباً. كنت قد جربت، لأكثر من مرة، الذهاب بالعجلة لمسافات لا تزيد عن 20 كم. لكن هذه المرة كان علي أن أذهب لمقر عملي بالدقي في يوم الأجازة، على سبيل التجربة، ثم أستريح قليلاً وأعود لمنزلي. وجدت المسافة تبلغ حوالي 15 كم ذهاباً ومثلها إياباً.. قطعت يومها الـ 30 كم التي ستصبح مشواراً يومياً لي بعد ذلك، وقطعتها والحمد لله بدون مشاكل أو تعقيدات. ذهبت لعملي في اليوم التالي بالسيارة، إصطحبت معي ملابس العمل (بدلة، أكثر من قميص، حذاء، جوارب) لأتركها هناك. وتأكدت أن الدش (الشاور) يعمل، ولم يبق سوى أن أمهد الطريق لزملائي وأعطيهم فكرة عما أنتوي عمله، حتى لا يقابلوا دخولي عليهم في الصباح بزي رياضي بإندهاش. كانت زوجتي قد قابلت فكرة ذهابي للعمل بالعجلة بقليل من الإندهاش وقدر لا بأس به من التشجيع. في حين واجهها أغلب أصدقائي ومعارفي بكثير من الإندهاش، وبقدر لا بأس به من التعجب والإستغراب.

كان المجتمع المصري وقتها يقابل أي فكرة جديدة بتحفظ ملموس (ولا يزال إلى حد بعيد)، ولربما ساهم الحراك الناجم عن ثورة 25 يناير في إضفاء قدر معقول من المرونة لدى أفراد المجتمع في تقبل أي أفكار تخالف ما ألفه الناس من عادات، وأنا أعتبر زيادة قدرة المجتمع على تقبل التغيير تطوراً إيجابياً حميداً، وبخاصة إذا ما كان التغيير في إتجاه مفيد ونافع.

أما زملائي في المكتب فقد أعجبت الفكرة بعضهم ، وإستبعد البعض الآخر إمكانية تطبيقها على ارض الواقع. في حين كان هناك من تصور أنني أمزح، ولم يأخذ كلامي مأخذ الجد. لكن بعد مرور عدة أسابيع من إستخدام العجلة بشكل يومي، أصبحت أجد تشجيعاً بالغاً من زملائي في العمل. بل أن الكثيرين منهم قد أعربوا عن رغبتهم في القيام بنفس الشئ، لكن للأسف حالت القيود المجتمعية دون قيامهم بذلك على أرض الواقع. كنت اصل للمكتب كل يوم بالزي الرياضي تملأ وجهي حبات العرق، وآخذ حماماً سريعاً (شاور) في أقل من 10 دقائق، لأجلس على مكتبي مرتدياً ملابس العمل الرسمية، وأبدأ عملي شاعراً بإنتعاش كبير، وفي نهاية اليوم، أبادر بركوب العجلة والعودة للبيت.. وكانت المسافة التي أقطعها بالدراجة كل يوم  تعطيني الفرصة كي أتفكر بهدوء و(أفصل) عن أي مشاكل تنتظرني، سواء في البيت او العمل.

منحني ركوب الدراجة متعة لا يمكن أن أصفها، ولا أعتقد أنه يمكن وصفها بالقدر الكافي، إذ لا يعرفها حقاً سوى من جربها. وحين تركب دراجتك كل يوم على مدار سنوات؛ تصبح وكأنها أحد أفراد أسرتك، يصبح بينك وبينها (عشرة)، تواجهان سوياً مواقف غير مألوفة، يعتمد كل منكما على الآخر في الحفاظ على بعضكما البعض.

وعلى مدار السنوات من 2008 إلى 2013، صاحبتني الدراجة في أوقات كثيرة جداً، قطعنا مسافات لا يمكن حصرها، سافرنا معاً، وخضنا سوياً العديد من المغامرات. كنت أقطع الطريق للعمل بها، لأقترب من الشارع وأتفاعل معه، ناهيك عن متعة مشاهدة ما يحدث حولك من أحداث وتفاعلات إجتماعية عن قرب، والتأمل فيها.

لقد منحتني الدراجة نافذة بديعة لأطل منها على العالم، لأشاهده كل مرة...بشكل جديد.

وهذه المدونة هي ببساطة ... يوميات واحد راكب عجلة.