الأحد، 27 أكتوبر 2013

1- مقدمة

يوميات واحد راكب عجلة

في 2008، وجدت أنه من العبث أن أستمر في إستخدام سيارتي للذهاب لعملي والتنقل بها داخل القاهرة، في حين يتطلب ذلك مني أن أقضي ساعات لا حصر لها (مزنوقاً) بداخل هذا المربع  ذو الأربع عجلات، والمسمى بالسيارة.

تفتق ذهني عن حل بسيط يحل أزمتي الزحام وحاجتي لأن أجد وقتاً للعب الرياضة في الوقت ذاته. كان هذا الحل يتمثل في إستخدام العجلة (الدراجة الهوائية) للذهاب للعمل.

في ذلك الوقت، بدت الفكرة غريبة إلى حد بعيد. ففي النصف الأول من 2008، كان الفيسبوك لا يزال في بداياته للإنتشار في مصر. ولم تكن كل هذه المجموعات (الجروبات) المتخصصة في مختلف الإهتمامات المتعلقة بركوب العجل في مصر قد تكونت. وذلك بإستثناء مجموعات تعد على أصابع اليد الواحدة، تحتوي على عدد محدود من الرواد في هذا المجال. وجدت على إحداها شخصاً أعرفه، فإستعنت به على إختيار الدراجة التي تتناسب مع إحتياجاتي... وقد كان.

إخترت شراء دراجة جبلية (Mountain Bike). وهي دراجة مصممة للطرق الوعرة، بها مساعد أمامي وآخر خلفي لإمتصاص الصدمات، وهو ما يسمح لها بالقفز من على بعض الإرتفاعات. بدا هذا الإختيار مثالياً للغاية للإستخدام في شوارع القاهرة. إذ عادة ما تكون الـ (Road Bike)  المعروفة في مصر باسم (العجلة السبق) بأنواعها المختلفة مناسبة تماماً للسير داخل المدن. لكن شوارع القاهرة مليئة بالمطبات والحفر والأرصفة المبالغ في إرتفاعها لأسباب غير مفهومة، كما أنها لا تخلو من الطرق المكسرة والمدقات، مما يجعل السير فيها أقرب للسير بداخل الممرات الجبلية منه إلى السير بالشوارع. يضاف إلى ذلك عامل آخر بالغ الأهمية يتمثل في أن جوانب الطرق في القاهرة مليئة بالزجاج المكسور والحصى المدبب الذي يتم كنسه بعيداً عن المجرى الرئيسي للطريق، وتجميعه على الجانب الأيمن، بحيث يكون بعيداً عن السيارات، وقريباً جداً من النقطة التي يختارها أي عَجَلاوي (دراج) عاقل للسير عليها بعجلته بعيداً عن السيارات المسرعة. لذلك فكاوتش الدراجة الجبلية السميك قوي التحمل أفضل بكثير من كاوتش الـ (Road Bike)  الذي يتسم بكونه أكثر سرعة، لكنه أقل تحملاً. وقع إختياري على دراجة جبلية “Peugeot Smart Team” موديل 2008، وقمت بشرائها، لتبدأ مرحلة جديدة تماماً من حياتي.

أسكن في المعادي بالقرب من الأتوستراد، في حين كان عملي في ذلك الوقت يقع بالقرب من شيراتون القاهرة. كان علي أن أقيس المسافة التي سأقطعها كل يوم ذهاباً وإياباً. كنت قد جربت، لأكثر من مرة، الذهاب بالعجلة لمسافات لا تزيد عن 20 كم. لكن هذه المرة كان علي أن أذهب لمقر عملي بالدقي في يوم الأجازة، على سبيل التجربة، ثم أستريح قليلاً وأعود لمنزلي. وجدت المسافة تبلغ حوالي 15 كم ذهاباً ومثلها إياباً.. قطعت يومها الـ 30 كم التي ستصبح مشواراً يومياً لي بعد ذلك، وقطعتها والحمد لله بدون مشاكل أو تعقيدات. ذهبت لعملي في اليوم التالي بالسيارة، إصطحبت معي ملابس العمل (بدلة، أكثر من قميص، حذاء، جوارب) لأتركها هناك. وتأكدت أن الدش (الشاور) يعمل، ولم يبق سوى أن أمهد الطريق لزملائي وأعطيهم فكرة عما أنتوي عمله، حتى لا يقابلوا دخولي عليهم في الصباح بزي رياضي بإندهاش. كانت زوجتي قد قابلت فكرة ذهابي للعمل بالعجلة بقليل من الإندهاش وقدر لا بأس به من التشجيع. في حين واجهها أغلب أصدقائي ومعارفي بكثير من الإندهاش، وبقدر لا بأس به من التعجب والإستغراب.

كان المجتمع المصري وقتها يقابل أي فكرة جديدة بتحفظ ملموس (ولا يزال إلى حد بعيد)، ولربما ساهم الحراك الناجم عن ثورة 25 يناير في إضفاء قدر معقول من المرونة لدى أفراد المجتمع في تقبل أي أفكار تخالف ما ألفه الناس من عادات، وأنا أعتبر زيادة قدرة المجتمع على تقبل التغيير تطوراً إيجابياً حميداً، وبخاصة إذا ما كان التغيير في إتجاه مفيد ونافع.

أما زملائي في المكتب فقد أعجبت الفكرة بعضهم ، وإستبعد البعض الآخر إمكانية تطبيقها على ارض الواقع. في حين كان هناك من تصور أنني أمزح، ولم يأخذ كلامي مأخذ الجد. لكن بعد مرور عدة أسابيع من إستخدام العجلة بشكل يومي، أصبحت أجد تشجيعاً بالغاً من زملائي في العمل. بل أن الكثيرين منهم قد أعربوا عن رغبتهم في القيام بنفس الشئ، لكن للأسف حالت القيود المجتمعية دون قيامهم بذلك على أرض الواقع. كنت اصل للمكتب كل يوم بالزي الرياضي تملأ وجهي حبات العرق، وآخذ حماماً سريعاً (شاور) في أقل من 10 دقائق، لأجلس على مكتبي مرتدياً ملابس العمل الرسمية، وأبدأ عملي شاعراً بإنتعاش كبير، وفي نهاية اليوم، أبادر بركوب العجلة والعودة للبيت.. وكانت المسافة التي أقطعها بالدراجة كل يوم  تعطيني الفرصة كي أتفكر بهدوء و(أفصل) عن أي مشاكل تنتظرني، سواء في البيت او العمل.

منحني ركوب الدراجة متعة لا يمكن أن أصفها، ولا أعتقد أنه يمكن وصفها بالقدر الكافي، إذ لا يعرفها حقاً سوى من جربها. وحين تركب دراجتك كل يوم على مدار سنوات؛ تصبح وكأنها أحد أفراد أسرتك، يصبح بينك وبينها (عشرة)، تواجهان سوياً مواقف غير مألوفة، يعتمد كل منكما على الآخر في الحفاظ على بعضكما البعض.

وعلى مدار السنوات من 2008 إلى 2013، صاحبتني الدراجة في أوقات كثيرة جداً، قطعنا مسافات لا يمكن حصرها، سافرنا معاً، وخضنا سوياً العديد من المغامرات. كنت أقطع الطريق للعمل بها، لأقترب من الشارع وأتفاعل معه، ناهيك عن متعة مشاهدة ما يحدث حولك من أحداث وتفاعلات إجتماعية عن قرب، والتأمل فيها.

لقد منحتني الدراجة نافذة بديعة لأطل منها على العالم، لأشاهده كل مرة...بشكل جديد.

وهذه المدونة هي ببساطة ... يوميات واحد راكب عجلة.


هناك 7 تعليقات:

  1. فكره جميله جدا ومرنه وبتجدد الحيويه والنشاط والصفاء الذهني من قلب اتمني دايما يكون مفعم بالحيويه

    ردحذف
  2. بارك الله لك على علو الهمه والنشاط وارجوا الله ان تستمر
    واشاطرك الرى والفعل فأنا منذ وقت ليس بقصير افعل هذا منذ 2004م والحمد لله ولكن المسافه قصيرة اى حوالى 7 كيلومتر بين البيت و العمل وحقا انها تجربه جميله وشعور بالمتعة ان تمتلك وقت لتفكير والتأمل فى خلق الله ومن ارض زراعيه والنيل فانا اعيش فى قرية بجوار النيل والحمد لله

    ردحذف
  3. Bless you , waiting to read your blogs during your trip

    ردحذف
  4. اجمل ما في اسلوبك البساطة و العفوية

    ردحذف
  5. God bless you dear son, this is Egypt and the Egyptians, we are very proud of you, take care and we will see you soon inshaalah, God save you son. with love Hozama and Hussam

    ردحذف
  6. ارجو ان تضع معلومات مهمة عن المسافات والاسعار فى رحلاتك مع وصف قليل للبشر الذين تلتقى بهم

    ردحذف
  7. ما شاء الله عليك رحله جميله والواحد بيفكر يعمل رحله زى كده بس حتكون معايه العكس .......
    من اسوان للقاهرة

    ردحذف