كانت الساعة قد تخطت الواحدة ظهراً حين تحركت بدراجتي من
الفرافرة، متجهاً إلى الواحة الداخلة. سرت على الطريق الذي يشق الصحراء، ملاحظاً
أن أغلب المركبات المارة من جواري هي موتوسيكلات. وبعد فترة، بدأت القرى في
الظهور، وأخذت الصحراء من حولي تتحول، فجأة، إلى حقول عامرة بالزراعات، ترعى فيها
المواشي، ويتحرك فيها الفلاحون ممتطين حميرهم، في حركة دائبة، لكنها هادئة، ومريحة
للأعصاب. فيما يشبه قرى الدلتا، لكن في الأفلام العربية القديمة. مشهد انتهى في
الأفلام، وفي الواقع، مع سبعينيات القرن الماضي.
بعض القري تحمل أرقام، مثل 13 و"17"، وغيرها،
وبعضها يحمل أسماء مثل "الكفاح"،. ظللت أسير بالدراجة، والقرى تبدأ من
حولي، لأعبر مركزها الرئيسي بما فيه من محلات تقدم بعض الخدمات الأساسية، كاصلاح
الكاوتش، والقهاوي، وغيرها. ثم أصل لأطراف القرية، فإما أن تبدأ قرية أخرى في
الظهور بعدها مباشرة، أو أجد نفسي محاطاً مرة أخرى بالصحراء، حتى أصل إلى القرية
التالية، وهكذا.
وفي المعتاد، لا أحبذ التخييم في منطقة قريبة من القرى
والمزارع. وذلك لأنني أترك دراجتي خارج الخيمة، نظراً لعدم وجود متسع لها بالداخل.
ومع أنني اقوم بربط العجلة بحبل يمتد داخل الخيمة، أعقد طرفه الآخر في أكثر حقائبي
وزناً، بحيث يصدر الاحتكاك بين الحبل والحقيبة صوتاً يوقظني من نومي، إذا ما تعرضت
العجلة لأي محاولة سرقة، لا قدر الله. لكن على الرغم من ذلك فلا أشعر بالإرتياح لفكرة
التخييم بالقرب من منطقة آهلة بالسكان، تاركاً دراجتي وحدها خارج الخيمة.
كان الوقت يمر، ولا بد من أن استقر على مكان للتخييم،
قبل حلول المغرب. ما زال امامي بعض الوقت، لكن الأمر لم يكن مبشراً، فالمسافات بين
القرى ضيقة، لاتكفي للتخييم. ولا ينبغي أن يهبط الظلام، وانا على الطريق. ظللت أسير بالدراجة بين القرى، منتظراً الوصول
لمنطقة صحراوية بعيدة عن العمران، لكنها لم تجئ.
وقفت عند قرية اسمها "أبو هريرة" لأشرب بعض
الماء، وأسال عن فندق قريب. وبطبيعة الحال، لم يكن يوجد أي فندق هناك. وبينما كنت أستعد
للخروج إلى الطريق الرئيسي مرة أخرى، فوجئت
بثلاثة شباب معهم موتوسيكل، يستوقفونني ليسألونني عن الدراجة، وعن المسافة التي
قطعتها. أتعرض لمثل هذا الموقف كثيراً، لكن هذه المرة كان يبدو عليهم الاهتمام
الشديد، والالحاح في الأسئلة. اعتذرت لهم عن الاجابة على المزيد من الأسئلة،
وتحركت بسرعة. مشيت قليلاً أفكر أين سأبيت...سمعت صوت موتوسيكل يقترب مني، نظرت
لأجدهم نفس الشباب الذين فارقتهم من لحظات، يتابعونني على الطريق كي يطمأنوا أن
"كله تمام". سألتهم عن المسافة المتبقية كي أصل للخلاء بعيداً عن القرى
المتتابعة، استفهموا عن السبب، ولما عرفوه، أصروا بالحاح شديد أن أبيت معهم تلك
الليلة. القيت عليهم نظرة متفحصة، سألني أحدهم أكثر من مرة عن ثمن العجلة. فقد كان
معجباً بها، ويريد شراء مثلها. لكن المبالغة في السؤال عن ثمن الدراجة من شخص تبدو
ملامحه غير ودودة، وتعبيراته جافة، كان أمراً مثيراً للقلق. وعلى الرغم من ذلك،
فقد شعرت بارتياح لقبول دعوتهم، وتوكلت على الله. وذهبت معهم.
هم مجموعة من الشباب، تتراوح أعمارهم حول العشرين. نزح
كل منهم مع أهله من الصعيد، إلى هذه القرية في الداخلة. شعبان، صاحب البيت، شاب من
سوهاج. يعيش وحده في هذا البيت الذي ما زال على الطوب الأحمر. وهو يعمل على
اعداده، خطوة خطوة، كي يتزوج فيه. شعبان ترك المدرسة بعد الصف الثاني الإعدادي.
معتز، الذي ما أنفك يسألني عن سعر العجلة، وفد مع أسرته
من أسيوط. هو يشبه صديق لي من أسيوط
أيضاً، لكن صديقي طيب القلب، ويتحلى بشخصية مختلفة تماماً. أما معتز فيعطيك
انطباعاً بجاهزيته لأطلاق النار في أي وقت. يصلح لتجسيد دور الصعيدي الخطر، ذو
القلب الميت، الذي قد يفتك بأعدائه دون أن تهتز له شعرة، أو هو يحب أن يبدو كذلك.
في حين يصلح شعبان لتجسيد دور الشاب الصعيدي الطيب الجدع. لكن في الحقيقة، كلاهما
"جدع"، كل بطريقته.
حكوا لي عن مجتمع القرية، والتي يشكل الوافدون معظم
سكانها. ولأنهم كانوا شباباً صغاراً، فقد كانت معظم قصصهم تدور حول المشاجرات بين الصعايدة والفلاحين، والتي
قد تحدث من آن إلى آخر. وعن تضامن الصعايدة، وهم أقلية، في مواجهة الفلاحين، وهم
الأكثرية. كما أخبرونني بأن كثير ممن يجيئون من الصعيد إلى هنا، يأتون هاربين. فهم
إما مطلوبين للثأر، أو مطالبين بالأخذ به. لم يبد هذا الكلام مقنعاً بالنسبة لي.
فبالتأكيد هناك اسباب أخرى كثيرة تدفع الناس للمجئ لهذا المكان، الملئ بالخيرات
وفرص الحياة. لكن في نفس الوقت، بدا لي من الواضح أن الناس حين انتقلوا من الصعيد
والوجه البحري إلى هنا، حملوا معهم مشاكلهم وأمراضهم المجتمعية. وعلى الرغم من
ذلك، فقد خففت طبيعة المكان الرحبة، ووفرة الخير، من مجالات التنازع بين الناس.
تحدثنا عن عدم وجود شبكات محمول تغطي القرية، بحيث يضطر
من يرغب في استخدام المحمول لصعود خزان ماء مرتفع، أو الخروج من القرية على مسافة نحو الكيلومترين، حتى يمكن للشبكة أن تكون
متاحة. قلت لهم أن الوجه الإيجابي الوحيد لهذا الوضع هو عدم تأثر سكان القرية ببعض
المؤثرات السلبية التي قد تحملها لهم الانترنت، إذا أسئ استخدامها. قالوا أن هذه
المؤثرات موجودة بالفعل عن طريق قيام بعض الشباب باستخدام التليفونات المحمولة عند
الخزان أو خارج القرية، للاتصال بالانترنت. وبطبيعة الحال لا يستفيدون منها في
أكتساب اي علوم أو معارف. شعرت أن بلدنا بحاجة فعلاً إلى مشروع قومي يستوعب طاقات
الشباب، أينما كانوا.
جاءت مجموعة أخرى من أصدقائهم، جلسوا جميعاً يستمعون
لقصيدة لهشام الجخ، تحكي عن شاب صعيدي يحب فتاة. أستمعوا اليها باهتمام شديد. مع
أنهم بالتأكيد قد أستمعوا البها كثيراً من قبل. ظلوا جالسين يتسامرون، وبمجرد ان
بدت مني أدنى لافتة تشير إلى شعوري بالنعاس، قاموا جميعاً في لحظة واحدة،
وأستأذنوا للانصراف.
نمت ، لكن بعد
أن خضت بعض المعارك مع الناموس، فالناموس هنا يمكنك وصفه بالتوحش، وضميرك مستريح. حيث
يهاجمك بمنتهى الشراسة، لكنني انتصرت عليه في في النهاية، ونمت جيداً.
صحوت، وتحركت مبكراً، حيث لم أكن بحاجة إلى حزم أمتعتي، التي
لم أكن قد فككتها أصلاً بالأمس. انطلقت على الطريق، بعد أن ودعت شعبان، وشكرته.
سرت قليلاً بالدراجة، وعاد الطريق صحراوياً. واجهتني
رياح جانبية مُلحة. وهو ما دفعني إلى بذل
الكثير من الجهد كي أتحرك، وتسبب في خفض سرعتي. يواجهني مطلع صعب، يتلوه منحدر
طويل. جوانب الطريق بالغة الضيق، أو غير موجودة أصلاً في بعض الأحيان. وهو ما
يجبرني على السير في المجرى الرئيسي للطريق. قد تمر عليك ساعة كاملة، لا يمر فيها
بجوارك أكثر من سيارة واحدة، غالباً ما تكون نقل، أو نصف نقل. وبالتالي فلا توجد
مشكلة في عدم وجود حارة جانبية. لكن لو زادت الكثافة المرورية على هذا الطريق في
المستقبل، فلا بد من توسعة جوانبه.
أقابل رجلاً على موتوسيكل. أستوقفه كي أسأله عن أبو "منقار"،
القرية التالية. أجده يغطي وجهه بما يشبه اللثام الخفيف، كي يحميه من الرمال.
يسألني إذا ما كنت مصرياً، ومن أين مكان في
مصر؟ أجيبه انني قاهري من المعادي، يصدق بصعوبة انني لست بأجنبي. أساله إذا ما كان
"عرباوياً"، فيوكد ذلك، نتبادل التحية، ويستمر كل منا في طريقه.
أصل إلى أبو منقار، التي تبعد نحو 100 كم عن الفرافرة،
وتعتبر آخر قرية على هذا الطريق، تتبع إدارياً مركز الفرافرة. يستقبلني كمين حرس
حدود. لا يصدقون أنني مصري، إلا حين يرون بطاقتي. يرحبون بي، ويتعجبون من رحلتي
حول مصر بالدراجة. أتناول غداء خفيف في كافيتيريا قريبة. أفتح تليفوني المحمول
وأكلم أسرتي، كي يطمئنوا علي، ثم أعيد غلق المحمول، حتى لا تنفذ البطارية. لا
افتحه بشكل طبيعي إلا حين يتوافر لدي مصدر كهربائي ثابت، وهو ما لا يتوافر إلا حين
أصل للواحة التالية.
تركت أبو منقار، وتغيرت اتجاهات الطريق، بحيث لم تعد
الرياح تهب ضدي. تمكنت من قطع 120 كم في ذلك اليوم، معوضاً قصر المسافة التي قطعتها
في اليوم السابق، بسبب تاخري في مغادرة الفرافرة.
أخيم قبل المغرب، كعادتي، وأقف بجوار الخيمة أشاهد
الغروب، ما أبدعه، وما أجمل الصحراء. يبدأ الظلام في الحلول، أقف للصلاة مستشعراً
السكون من حولي. أتخيل انني، وكل من يقرأ هذه الكلمات، نقف جميعاً متناثرين في هذ
المكان. نصلي معاً، كل على طريقته، وبحسب دينه. طالبين، وداعين، من قلوبنا، أن
يملأ الله بلدنا بالنور والسكينة والرحمة، وأن يحل عليها السلام.
أنهيت صلاة المغرب، وجمعت معها العشاء، لأنني على سفر.
ثم دخلت خيمتي، لأغط في سبات عميق. كانت الرياح تهب بقوة بالغة طوال الليل،حتى
أنني صحوت لاكثر من مرة على صوت ارتطامها بالخيمة بشدة. بدأت اليوم التالي، وأنا
لم احصل على قسط كافي من النوم بسبب ذلك. كما كانت الرياح على الطريق جانبية، بعكس
الأمس. بحيث ظلت تهب بقوة من جهة اليسار، معطلة أياي، وذلك على خلاف توقعاتي.
أقابل كميناً آخر لحرس الحدود، أصل اليه بينما الجندي يمد
يده ليضع كوباً من الشاي إلى جواره. أناديه:"السلام عليكم"، ينظر إلى،
ثم يشير لي من بعيد أن أنتظر. لا أعرف إذا ما كان قد سمع ما قلته بالعربية أم لا. يغيب،
ثم يظهر بعد عدة دقائق وفي يده دفتر. أعرف بذلك أنه لم يسمعني، فأضحك واقول له
"مصري..مصري..مش حتحتاج الدفتر"، فالدفتر يتم فيه تسجيل أسماء السياح
الأجانب فقط.
يبتسم ويقول "ما أنا برضه كنت شاكك إنك مصري، اصلي ما كنتش
سامعك كويس". أجده في غاية الذوق والبشاشة. يصر على دعوتي لشرب الشاي الذي
كان قد أعده لنفسه، أستجيب بعد الحاح من جانبه، واجلس مستمتعاً بمذاق الشاي بعد
عناء الطريق. أسأله إذا ما كانت قد مرت عليهم عائلة فرنسية تسافر باستخدام بالدراجات.
كنت قد قابلتهم على الطريق بين القاهرة والواحات البحرية، وتفرقت بنا السبل، آملين
أن نلتقي مرة اخرى، وهو ما لم يحدث حتى الآن. أخبرني بأنهم قد مروا به فعلاً ، لكن
من عدة أيام. أرشف أخر قطرة من كوب الشاي، وأشكر الجندي البشوش، وأكمل طريقي.
أستمر في السير على الطريق بدراجتي، ومن حولي الصحراء.
فجأة تظهر مساحات خضراء، زاهية، ومليئة بالشجر والأبقار والثمار. أسمع اصوات
الدواجن، وأشاهد الفلاحين بجلاليبهم يعملون في حقولهم بهمة ونشاط، وبساطة وهدوء.
وتداعب انفي رائحة البساتين المليئة بمختلف أنواع المزروعات. وكما بدأت المساحات
الخضراء فجأة، تنتهي فجأة. لأجد الصحراء تحيطني مرة اخرى. لتظهر مساحات خضراء مرة
اخرى، بعد قليل، أو كثير، وهكذا.
أصل إلى قرية "غرب موهوب"، التي ينطقها بعض
الناس هنا "ميهوب". وهي قرية نسبة كبيرة من سكانها بدو، من قبيلة
الرشايدة، مثلها في ذلك مثل "أبو منقار"، التي مررت بها في اليوم السابق.
سرت، حتى وصلت إلى نقطة لم يكن الطريق فيها ممهداً. كان (مدقاً)، إمتد لعدة
كيلومترات. وتسبب في تأخيري، حيث كنت أرغب في العثور على مكان بعيد عن العمران، كي
أخيم فيه. باقي على المغرب نصف ساعة، ولم اجد مكاناً ملائماً بعد. إذ أن كل مكان
خالٍ، توجد بعده مزرعة، أو أي شئ أخر. لكن لا توجد صحراء خالية قريبة، تصلح
للتخييم.
بدأت أفكر في قضاء ليلتي في أحد المساجد، سألت فعرفت أن
هناك مسجداً بعد عدة كيلومترات، تحركت باسرع ما يمكن، فلا اريد أن يحل الظلام على
وأنا على الطريق. وصلت الى المسجد، لكنني وجدته داخل مزرعة خالية من السكان،
ناديت، لكن أحداً لم يكن هناك. نظرت للأرض المجاورة، فوجدتها عبارة عن موقع لإحدى
شركات الإنشاءات الحكومية الكبرى. توجهت اليهم بسرعة، وسألتهم عن أقرب مسجد، فأشاروا
لمبنى تابع لهم يقع خلفي. وعندما سألتهم إذا ما كان يمكنني المبيت فيه، إعتذروا
بسبب المسئولية، ولكنهم عرضوا علي وضع دراجتي على سيارة نصف نقل تابعة لهم، على
وشك التحرك، ومتجهة إلى قرية القصر، التي يوجد بها فنادق. بطبيعة الحال، شكرتهم، ورفضت
عرضهم الكريم. وهم من جانبهم لم يفهموا لماذا أصر على السير بدراجتي، في حين كان
بامكاني قبول عرضهم، وتوفير الجهد. لم يكن هناك متسع من الوقت لكي أشرح لهم فكرة
رحلتي حول مصر، وانني قررت أن تكون رحلتي كلها بالدراجة. تركتهم وتحركت بسرعة
منطلقاً على الطريق، إذ لم يبق على المغرب أكثر من عشرة دقائق. فكرت بيني وبين
نفسي: "لماذا أصر على العثور على مكان أبيت فيه، بينما معي خيمتي...لست بحاجة
لأحد.... الله الغني".
طوال سفري على الطريق، أبيت بداخل خيمتي، اعتدت على
النوم فيها بحيث أصبحت مثل داري، أو حجرتي. لدرجة أنني قد أصبح لي نظام معين بداخلها
لتوزيع اماكن الشنط والمتاع التي أصحبها معي على الدراجة. فلماذا إذن أستوحش
المبيت في الخيمة؟ هل مجرد خوفي من ترك العجلة خارج الخيمة أثناء الليل، في مكان
قريب من العمران، حتى لا تتعرض للسرقة، يصبح
سبباً لأن أشعر بالضياع هكذا، كما أفعل الآن. راجعت نفسي بسرعة، وحسمت أمري، وقررت
العثور، فوراً، على أفضل مكان يتوافر به الحد الأدنى من المقومات اللازمة،
والتخييم به.
توقفت عند الجهة المقابلة لأرض واسعة تقع بين مزرعتين.
حركت دراجتي بسرعة، بحيث ابتعد عن الطريق قليلاً. بدأت أفك أمتعتي بسرعة قصوى،
وصدى آذان المغرب يتردد في أذني، قادماً من بعيد. عادة ما أستغرق بعض الوقت كي أحل
بعض الأربطة التي أقوم بتثبيت الكاوتش الاستبن من خلالها، عن طريق العديد من
العقد. قطعت بعض الأربطة بسرعة باستخدام الـ Swiss knife. وحللت الباقين بسرعة بالغة. وفي
وقت قياسي كنت قد حللت الامتعة، ونصبت خيمتي، وأدخلت كل شئ بداخلها، فيما عدا
العجلة، بطبيعة الحال.
حل علي الظلام، وأنا في الخيمة. كان تخلصي من الإحساس
بضرورة المبيت في مكان محاط بأربعة جدران، كنوع من أنواع الحماية لدراجتي، فاتحة
خير علي. فقد منحني احساسي بانني لست بحاجة لأن أطلب شيئاً من أحد، وأنني قادر على
التصرف، والتعامل بسرعة قياسية، والإعتماد على الموارد المتاحة بين يدي، شعوراً
إيجابياً للغاية. فقد خيمت في مكان لا يعد آمناً، وفقاً لمقاييسي المعتادة. إذ
نصبت خيمتي في منطقة جبلية، بدون أن يكون لدي الوقت الكافي كي أتحقق جيداً من
المنطقة المحيطة.
منحتني هذه التجربة،على بساطتها، شعوراً بالغاً بالحرية،
وبكسر حاجز آخر للخوف. تماماً كما حدث معي
في ليلتي الأولى، في هذه الرحلة، لكن بطريقة اخرى. شعرت بأنني أكتسب المزيد من
الخبرة، والقوة، لمواجهة أخطار الطريق. لكنها ليست قوة نفسية، بقدر ما هي نفس اليد
الكونية الرحيمة التي ترعاني وتحنو علي في لحظات ضعفي، تمنحني الآن القوة، وتحررني
من مخاوفي.